المقدمة

“ في أحد الأيام و هو لا يزال في الثالثة من عمره، هرع الي غرفيه و الدموع تلمع في عينيه، مرتجفا و باكيا بكاء مريرا. عندما سأله والده عن سبب بكائه، قال الطفل الصغير أنه قد علم لتوه شيأ مرعبا: وهو أن جميع البشر سيموتون في يوم من الأيام. وعندما سأل والده ان كانت هذه المعلومه حقيقية، أجابه الوالد ب"نعم" فبكي مرة ثانية. كانت فكرة لموت كنهاية حتمية لكل البشر، فكرة صادمة و مرعبة الي أقصي حد بالنسبة له، وهو لا يزال في هذه السن الصغيرة. لقد أشفق علي جميع البشر لأنهم جميعا سيلاقون نفس المصير المرعب و بكي لأنه سيفقد كل من يحب و أن مصير الكون هو الفناء. و استمرت فكرة الموت تلح عليه طوال حياته، و تحولت الي حب شديد لكل البشر و تعاطف معهم، و يظهر ذلك ببراعة قي معظم كتاباته لتعبر عن حالة الفزع التي انتابته وهو في الثالثة من عمره و لم تتركه أبدا".

دكتور "يوسف عز الدين عيسى" أحد الشخصيات البارزة في القرن العشرين فهو أديب ومفكر، له مدرسة خاصة في الكتابة القصصية حيث يختلط الخيال و الحلم بالواقع بشكل رمزي، ليخلق تحليلا دقيقا لعالمنا الواقعي الذي نعيشه اليوم. لقد مارس الدكتور يوسف عز الدين عيسي كل أشكال الكتابة وبرع فيهم جميعا ؛ فقد كتب القصة القصيرة، الرواية، المسريحة، الشعر، المقال، والدراسات التحليلية. هو أيضاً مؤسس الدرامة الإذاعية في مصر والشرق الأوسط وقد تحولت الدرامة الإذاعية على يديه إلى نوعٌ رفيع من الأدب.

ويكاد يكون المصري الوحيد الذي جمع بين العلم والأدب في أعلى درجاتهم فهو أستاذ جامعي ملتزم و محب لعمله و طلابه، مارس التدريس الجامعي و البحث العلمى و أشرف علي مائات الأبحات و شجع الأنشطة الثقافية و الابداعية في الجامعة، و قد عمل أيضا رئيسا للقسم و أنشأ قسم علم الحيوان في جامعات اخري و في نفس الوقت، هو أيضا الأديب الحاصل علي أعلي الأوسمه في هذا المجال، واستمر يجمع بين العلم و الأدب حتى آخر يوم في حياته.

إن أهمية دكتور يوسف عز الدين عيسى كشخصية بارزة في القرن العشرين تكمن في نوعية فكره و كتاباته و اتساع أفقه فأعماله لا تحضع للقوالب التقليدية النمطية للأدب، بل له اسلوبا جديدا في الكتابة، يستخدم الرمز و التجريد و الحلم و المونولوج للتعبير عن الواقع، ".. وضع أعماق الانسان تحت المجهر باحثا عن الحقيقة و سعي لرؤية العالم بعينين متفتحتين، فمزج بين رحابة الأفق الانسانى و حيدة العالم و شغفه بالمعرفة" د. سناء صليحة، الأهرام، 15/9/2002، و تميز دكتور "يوسف عز الدين عيسى" بقدرته الفائقة علي صياغة فكرة من العدم و كتابة الرمز بصورة جديدة ذات طابع خاص، و بأسلوب شيق و أفكار فلسفية ساخرة، صوفية أحياناً و مريرة أحيانا أخري. و هو لم يتأثر بأي أديب معين و لكنه تأثر بروح العصر بكل ما فيه من أدب و فكر و علم و تحليل و فن و مظاهر الحداثة، بل و تأثر أيضا بالحروب و تأثيرها علي الانسان، فكتاباته تنم عن ثقافة كبيرة و حساسية عالية، و قد وأعطتى كل ذلك لأدبه طابعاً له مذاقا خاصا، فتميزت أعماله علي جد قول النقاد، بأصالة الفكرة وعمق الموضوع ؛ ".. الدكتور يوسف عز الدين عيسي واحد من أدبائنا الذين قدموا للأدب أفكارا عالمية. انه يهتم في أعماله بالفكرة الفلسفية و يضعها في قالب أقرب إلى الخيال.." د. عادل ناشد، مجلة الكويت ، عدد سبتمبر، 1988.

و لقد كانت له رؤية عالمية شاملة و فلسفيه محايدة ولقد كسر حدود الزمان و المكان ، فحَلَق في آفاق جديدة، رغم أنه عاش في العالم الثالث المحدود.

و كان للدكتور يوسف عز الدين عيسي دورا كبيرا في ابراز الكثير من سلبيات هذا العالم الثالث و محاولات جاده في مقاومة ومعالجة أنماطا من الفكر المتجمد التي كان يراها و التى كان لا يكاد يراها أحد سواه.

لقد كتب دكتور يوسف عز الدين عيسى حوالي مائتي قصة قصيرة وتسع روايات وست مسرحيات وعدد من الأشعار و الأغاني إلى جانب كتاباته للدراما الإذاعيه التي تصل إلى حوالي أربعمائةعملا. و كتاباته، على خلاف معظم الكتاب المصريين أو العرب، لا تتحدث عن منطقة معينه في العالم أو مشكلات تتعلق بمكانٍ محدود ولكنه غالبا ما يتحدث عن الإنسان في كل مكان بنظرة شاملة، محايده و متفهمه، معتقداً أن الأرض مكاناً واحداً يعيش فيه كل البشر، ويتشاركون معاً في الأحاسيس والمعاناه ويلاقون نفس المصير وهو الموت.

إلى جانب الكتابات الأدبية كتب الدكتور "يوسف عز الدين عيسى" ما يفوق المائة مقال وعمود أسبوعي في أرقى الصحف والمجلات في مصر والعالم العربي. وقد كتب أيضاً مقالات تحليلة قدم فيها أدباء عالميون إلى العالم العربي، كما شارك في مائات الندوات الثقافية، و كان أيضاً رئيساً لنادي القصة وعضواً بالمجلس الأعلى للثقافة والفنون ورئيس تحرير مجلة "أمواج" ومدير التحرير الثقافي لجريدة "الأيام".

في عام 1987، منح جائزة الدولة التقديرية في الأدب وهي أعلى وأرفع جائزة في مصر وذلك لأنه حسب حيثيات اللجنة، " .. أسس مدرسة جديدة في الكتابة الأدبية تأثر بها الكثير من الأدباء..." وجاءت هذه الجائزة لتكسر القاعدة في مصر فهو أول أديب مصري (والوحيد) الذي ُمنح جائزة الدولة التقديرية في الأدب وهو يعيش خارج العاصمة. علاوة على ذلك كان حصول أو مجرد ترشيح أستاذاً في العلوم، لنيل جائزة للدولة في الأدب، أمرٌ غير مطروق. و كان الدكتور "يوسف عز الدين عيسى" قد حصل على جائزة أخري من الدولة أيضاً عام 78 19 لأعماله الإذاعية و قد ذكرت اللجنة أن من ضمن حيثيات حصوله علي الجائزة أن .."تحولت الدرامة الاذاعية علي يديه الي نوعٍ رفيعٍ من الأدب..". وكانت هذه أيضا هي المرة الأولى والوحيدة التي يمنح فيها أديب مصري جائزة من الدولة لكتابه الدراما الإذاعية.

ومن الأوسمة الأخرى التي حصل عليها الدكتور يوسف عز الدين عيسى، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى مرتين، عام 1979و مرة أخرى عام 1988 ، ووسام الجمهورية عام 1981، واليوبيل الفضي والذهبي للإذاعة والتليفزيون. وقد منح الدكتور يوسف عز الدين عيسى وسام "فارس الأدب" في عام 1999 وكان ذلك قبل وفاته بأشهر قليلة وقد منح هذا الوسام : .."لدوره الرائد في اثراء الحركة الأدبية .. ولتقديم نوعٌ جديد من الأدب أثر على الكثير من الأدباء". وذلك بالإضافة غلى العديد من الأوسمة والأدرع الفضية والذهبية وشهادات تقدير من قصور الثقافة في مصر وقد منح أيضاً العديد من الأوسمة وشهادات التقدير في مجال العلوم من جامعة الإسكندرية ومن جامعات ٍ أخرى علاوة على حصولة لها من جامعات أخرى.

وقد أختير الدكتور "يوسف عز الدين عيسى" كأفضل شخصية أدبية في مصر " لعامي 1998 و1999.

في عام 2001، ُسميت قاعة المحاضرات في قصر ثقافة الحرية، (الآن مركز الإبداع) بقاعة "الصالون الثقافي ليوسف عز الدين عيسي" ليكون اسمه رمزاً للعطاء الفكري.