السيرة الذاتية

ظهرت لديه الموهبة القصصية في سن السادسة عندما كان أطفال القرية يلتفون حوله بعيونٍ شاهرة، ليستمعون إلى قصصه التي كان يؤلفها عفو الخاطر من وحي خياله و يحكيها في الحال. لم يكن يدرك في ذاك الوقت أنه كان موهوبا، يصوغ عملا إبداعياً متميزاً؛ كان يعتقد أن لدي أي إنسان القدرة على صياغة قصة شيقة ببساطة من نسج الخيال

في العاشرة من عمره كان يكتب الشعر وقد تميز في المدرسة بمواضيع الإنشاء التي أحبها وقدرها كل معلمينه. كان أيضاً قارئاً جيداً ولديه شغف شديد للمعرفة

في 1934، التحق بكلية العلوم بجامعة القاهرة وتخرج بإمتياز مع مرتبة الشرف عام 1938، و عين معيداً بالجامعة في نفس العام بقسم علم الحيوان. أثناء سنوات الدراسة في الجامعة كان يكتب الشعر والقصة القصيرة لمجلة الكلية وقد حازت كتاباته على إعجاب زملائه وأساتذته. وحدث ذات يومٍ، أن الأستاذ "محمد فتحي"، مدير الإذاعة المصرية قد قرأ مصادفتا مسرحيه كان قد كتبها يوسف عز الدين عيسى لمجلة الكلية، بعنوان "عجلة الأيام". و قد أعجب بها الأستاذ محمد فتحي اعحابا شديدا، فقد وجد في المسرحية أسلوباً غير نمطي وطلب من مساعديه أن يبحثوا عن هذا الشاب الصغير الذي كتب المسرحية

وعندما تقابل مع يوسف عز الدين طلب منه إذن إذاعة المسرحية للراديو المصري. أذيعت المسرحية عام 1940. كانت مسرحية "عجلة الأيام" عملاً ذات طابع فلسفي خيالي في قالب كوميدي راقي وكانت هذه المسرحية بمثابة العمل الذي سيكون بداية لعمله ككاتبٍ ومؤلف في هذه السن الصغيرة

إن مسرحية (عجلة الأيام) تبدأ برجلٌ عجوز وزوجته يجلسان معاً ويسترجعان الماضي أثناء مشاهدتهما لغروب الشمس. وفجأة يكتشفان شيئاً عجيباً وهو أن الشمس لم تعد تتحرك نحو المغرب ولكنها تتحرك إلى الوراء تجاه المشرق! و تبدء الأيام تتحرك نحو الوراء لا الي الأمام، إذاً فالأمس يصبح الغد والماضي يصبح المستقبل وهكذا. ومع هذه العودة الي الوراء تتغير معاني الحياة تماماً

إن المستقبل لم يعد سراً كما كان. تعكس المسرحية معنى الحياة عندما يعيش البشر وهم يعلمون ماذا سيحدث غداً وبعد غداً وذلك لأنهم يتحركون نحو الماضي فأصبح الماضى هو المستقبل. إن دلالات الحياة والموت تتغير أيضاً فالناس يصغرون في السن، و يعود الي الحياة كل من توفي، و يتجمع الأحبه حول القبور لينتظرون عودة أحبائهم الذين ماتوا، قبذلك يتغير معنى الموت الذي قد أصبح العودة إلى أرحام أمهاتهم، فيظل الموت أمرٌ يعتبره الناس مخيفاً ولكن بشكلٍ آخر.

علاوة على ذلك، فإن معنى الميلاد قد أصبح موعد الموت، فيتغير معنى الموت و الحباة، فالموت عودة الى الحياة أما الميلاد فهو هو العودة الي عالم الغيب، أي العودة’ الي ما قبل الميلاد ( عالم الموت)، و فرعم فلب الأوضاع و تغيز المفاهيم الا أن الموت هو الموت، و ان اختلف شكله، فلا مفر منه، و سواء اتجهت غجلة الايام الي الأمام أو الي الخلف فالحياة تنتهي بالفراق . و في أثناء عودة عجلة الأيام إلى الماضي يحدث أن تترس عجلة الأيام بين الحين والآخر عندئذٍ يتسمر الناس في أماكنهم ، لفترة من الزمن في الأوضاع التي كانوا عليها كما لوكان شريطاً سينمائياً قد توقف على الشاشة على صورة معينه! ثم تتجه عجلة الأيام إلى الأمام نحو المستقبل ؛ تتوقف ثانياً ثم تعود للدوران إلى الوراء و تنتهي القصة بالرجل العجوز وزوجته اللذان يظهران في أول العمل وقد أصبحا أطفالاً يلعبون حول شجرةٍ ويسترجعون الماضي عندما كانوا عجائز وعندما كانوا متزوجين و لديهم أطفال. إنهم الآن خائفان لأنهم بعد سنواتٍ قليلة سيفترقون عندما يرجع كلٍ منهم إلى بطن أمه.و تنتهي القصة بالصبي الصغير يقول للفتاه الصغيرة: "ولكن لدى فكرة! لماذا لا نتسلل سوياً داخل بطن واحدة في غقلة من الزمن!" ("عجلة الأيام" كتبت للمسرح 1936، نشرت و أذيعت 1940، نشرت ثانيا ًفي جريدة الأهرام، عام 2000). بدأ "يوسف عز الدين عيسى" في نشر قصصه القصيرة ومسرحياته في مجلات شهيرة مثل مجلة "روزاليوسف"وأيضاً "مجلة الراديو المصري” و "هى". و لكن استمرت الإذاعة تلاحقه وتطلب منه كتابة المزيد من الأعمال الدرامية للراديو. وقد أصبح بذلك رائد هذا المجال وقد كانت الإذاعة أو الدرامة الإذاعية بالنسبة له كما كان يقول "المسرح الحديث".

وقد أختيرت أيضاً أشعاره ليغنيها و يلحنها أشهر مغنيين و ملحنين العصر، وتميزت أعماله سواء الدرامية أو القصص القصيرة بخيال خصب ورؤية فلسفية واسعة وعميقة. في عام 1942، اتخذ الدكتور "يوسف عز الدين" قراراً خطيراً مما جعل العديد من الناس يعتقدون أن كان لهذا القرار تأثيراً سلبياً على وضعه الأدبي وعلى شهرته. لقد قرر أن ينتقل إلى مدينة الإسكندرية فكان قد تم إنشاء جامعتها في هذا العام، فقرر فوراً أن ينتقل اليها، وكان السبب الوحيد في ذلك هو ولعه الشديد بهذه المدينة الساحرة التي تطل على البحر وقد كان يرى في ذلك جمالا يفوق الخيال وقد كان يقول: "للنيل شاطئان ولكن للبحر شاطئٍ واحد، ينساب في لونه الأزرق البديع نحو اللانهاية!" وكان الإنتقال إلى مدينة الإسكندرية معناهُ البعد عن القاهرة بمركزيتها الشديدة والبعد أيضاً عن الإعلام وعن دور النشر والناشرين، و هم، في العالم الثالث، يحتاجون إلحاحاً مستمرا من الكتاب لنشر أعمالهم. و لذلك كان تواجد الكُتاب في القاهرة أمرا ضروربا. و لكن من المعروف عن يوسف عز الدين عيسى أنه كان بطبيعته لا يلح على أحد ولا يطلب من أحد نشر أو إذاعة أعماله، بل إن العكس هو الصحيح فكبرى المجلات والجرائد والإذاعة المصرية هي التي كانت تلاحقه، و حتى وهو في الإسكندرية، فقد انتقلت مركزية العاصمة اليه، فكانت الإذاعة وكان الناشرون هم الذين يطلبون منه أعماله وكان هو يلبي هذه الطلبات، و هكذا ضرب الدكتور يوسف مثلا جميلا، فقد حصل علي أرفع الأوسمة و كان يتمتع بشهرة و شعبية كبيرة رغم بعده عن العاصمة و بذلك أثبت أن قيمة المبدع تكمن في قيمة أعماله، و قد أصبح الآن قرار يوسف عز الدين عيسى في الإنتقال إلى الإسكندرية نقطة تحسب لصالحه لأنها تؤكد أن الوضع الرفيع الذي وصل إليه كأديب كان بسبب قيمة أعماله و عمق موهبته ، هذه الموهبة التي كسرت قوانين العالم الثالث ووجدت طريقها رغم كل شيء إلى العاصمة بدون ملاحقة أحد ولا الضغط على أحد. في عام 1948، سافر إلى انجلترا بجامعة شيفلد للحصول على الدكتوراه، و كانت الفترة التى قضاها قضاها في مدينة "شفيلد"، علي حد قوله، هي أسعد فترة في حياته وقد كانت لها تأثراً شديداً على شخصيته كما أنها أعطته الثقةً في عمله كعالم وكأديب

وكان المسئول عن هذه الثقة شخصين الأول هو ؛ Professor Eastham وهو المشرف على رسالته وأيضاً Professor Wigglesworth وهو عالمٍ كبير كان وضعه في عالم الحشرات يقابل وضع أينشاين في مجال الرياضيات وكان هو الممتحن الخارجي لرسالة الدكتوراه. كان موضوع الرسالة عن الفراشات. وفي يوم مناقشة الرسالة قال له Professor Wigglesworth: "لقد امتحنت مئات من رسائل الدكتوراه ولم تمتعني أو تأثر في أو تلهمني أي منهم كما فعلت هذه الرسالة". وقد كان Professor Wigglesworth مبهوراً إلى أقصى درجة بالرسالة وأيضاً بالرسومات ذات الثلاث أبعاد التي احتوت عليها الرسالة وقد أثنى Professor Eastham على "يوسف عز الدين عيسى" فبعد مناقشة الرسالة، سلم عليه بحرارة شديدة قائلاً :"أشكرك بشدة. أنت فنان يا يوسف وأنا اعتقد أنه ينبغي على العالم أن يكون فناناً" وكانت لهذه الكلمات واقعاً خطيراً وتأثيراً شديداً على "يوسف عز الدين عيسى" فقد كان قبل ذلك دائماً يشعر بخجلٍ وعدم راحة عندما يقال عنه أنه أديباً ففي مصر كان العلم والأدب ينظر إليهم كمتضادين وكان يشعر أحياناً من خلال تعليقات بعض زملائه أنه قد خان عمله كعالم. كان على المستوى الشخصي لا يؤمن بأي تعارض مع الأدب والعلم، وجائت كلمات الأستاذ الدكتور Eastham لتؤكد له هذا الإعتقاد. لم يستطع أبداً أن يترك الكتابة حتى أثناء دراسته في شيفلد. كان الأدب دائماً يفرض نفسه عليه فكتب مجموعة من الدراما الإذاعية والقصص القصيرة التي أذيعت بإذاعة الـBBC ، البرنامج الثالث في ذاك الوقت. كان دائماً يصله خطاب شكر من إذاعة الـBBC على كتاباته. في أثناء إقامته بإنجلترا حدثت لقاءات مع عدد من الشخصيات الكبيرة. فلقد دعاه الكاتب "برنارد شو" لتناول الشاي في منزله و قال الدكتور يوسف عز الدين عيسى عن هذه الزيارة: "لقد أعد برنارد شو الشاي بنفسه ودار بيننا حديثاً شيقاً، أذكر منه أنه قال: "عندما كنت صغيراً كنت أعتقد أنني أعظم من شكسبير

وعندما نضجت قليلاً شعرت أننا متساويان، أما الآن فأنا أعتقد أن برنارد شو لم يفغل شياً على الإطلاق!" وقد علق الدكتور "يوسف" على ذلك قائلاً:" لقد أدركت حينئذٍ أن الرجال العظماء دائماً في غاية من التواضع." من الشخصيات الأخرى التي عرفها دكتور "يوسف" كان Professor Krebs (حائز على جائزة نوبل في الكيمياء الحيوية) وهو كان يعتبر الدكتور "يوسف" أعز رفاقه، فكانا يجلسان معاً كل يوم يشربان القهوة في جامعة شيفيلد في وقت الراحة وكان موضوعهم المفضل هو الحديث عن الأدب والفن. وقد كتب الدكتور "يوسف عز الدين عيسى" العديد من المقالات على إقامته في شيفلد وجامعها وقد عبر عن حبه واعجابه الشديد بالمكان وأصحاب المكان. في 1960، أُختِير من قِبَل منظمة Fulbright ليكون أستاذاً زائراً في الولايات المتحدة الأمريكية. وكان من أهم أسباب اختياره ضمن ثلاثمائة أستاذ أنه كان كاتباً كبيراً يمارس الأدب إلى جانب كونه أستاذاً جامعياً قديرا في العلوم وكان هذا أمرٌ اعتبرته منظمة Fulbright يستحق التقدير الشديد وجاء قرار Fulbright مؤكداً لكلام Professor Eastham عن المزج بين العلم الأدب. في أثناء تدريسه في الولايات المتحدة،كانت الجامعة تستضيف العديد من الشخصيات البارزة لإلقاء محاضرات عامة، كان منهم الكاتب الأديب Aldus Huksly وأيضاً John Kennedy وكان رئيساً للجمهورية في هذا الوقت. وقد نشأت صداقه أيضا بين الدكتور يوسف عز الدين عيسى وبين النجم السينمائي الأمريكي Joseph Cotton على الباخرة التي عادت به إلى أرض الوطن. وقد كان لزيارة دكتور "يوسف" للولايات المتحدة تأثيراً عميقاً، فلقد أُعجب بما قد أسماه ب"لمسة الإبداع الأمريكية"، وقد تحدث عن ذلك في العديد من اللقاءات الإذاعية والتليفزيونية كما كتب عنها العديد من المقالات. عاد إلى الوطن وتدرج في وظائف هيئة التدريس حتى وصل إلى أستاذاً ورئيساً لقسم الحيوان بالجامعة وقد استمر آدائه بعد سن الستين كأستاذاً متفرغاً يلقي المحاضرات بانتظام ويشرف على الأبحاث العلمية حتى رحيله في شهر سبتمبر عام 1999، وظل يجمع بين العلم والأدب حتى آخر وقت في حياته. في فترة الخمسينات من القرن العشرين وصلت شعبية أعماله الإذاعية للقمة وأصبحت شهرته واسعة في مصر والشرق الأوسط "..من بين أعمال د. يوسف عز الدين عيسي أعمالا هزت ميكرفونات القاهرة.. " عبد الفتاح البار ودي،

الأخبار 9/1/76 "الدكتور يوسف عز الدين عيسى متهما بإقاف المرور و الحياة الأحتماعية لمدة ربع ساعة كل يوم أثناء إذاعة "عدو البشر!" د. حسين جمعة في تقديم توسف عؤ الدين عيسي 1978 بالنادي الأدبى في مدينة جدة. وكان كبار مخرجي الإذاعة المصرية من البرنامج العام يتكبدون السفر إلى الإسكندريةخصيصا ليطلبون منه المزيد من الأعمال الدرامية. و قد امتنع الدكتور يوسف عز الدين عيسى عن الكتابة للاذاعة منذ أوايل الستينيات باستثناء مسلسل مسلسل "لا تلوموا الخريف"،1973، تحت إلحاح من مخرج العمل الأستاذ محمود شركس و "الجائزة"، كسهرة بمناسبة الاحتفال باليوبل الفضى للإذاعية تلبية لطلب الأستاذ الكبير الســيد بدير، مدير الأذاعة في ذاك الوقت. أما فترة منتصف السبعينيات فكانت بداية لفترة إزدهار لأعماله المقروءة ، فقد أثري الأدب بنوع فريد من روائع الأعمال سواء كان ذلك في القصة القصيرة، أو الرواية او المسرح و كان لهذه الأعمال وقعا خطيرا فقد أحدثت بالفعل تغيراً كبيراً في شكل الرواية العربية التى كانت محصورة في قوالب جامدة. وكانت هذه الأعمال محور حديث و جدل النقاد المثقفين لعمق موضوعاتها و استخدامه البديع للرمز و الخيال، و قد أدى ذلك لإعادة النظر في كتاباته في المراحل الأولي في الأربعينيات و الخمسينات من القرن العشرين، و إعادة إكتشافها. و من أعماله "ليلة العاصفة و قصص أخري"، "البيت و قصص أخري"و " نريد الحياة و مسرحيات أخري" و أيضا روايات "الرجل الذي باع رأسه" و رائعته "الواجهة". كانت أعماله على حد قول النقاد تعتبر "قمة من قمم الكتابة الروائية والقصصية"* فهى جديدة من حيث الشكل و المضمون أما الإسلوب فكان سهلا شيقا يكسر قاعدة الرتابة و التكرار و الحشو و التفاصيل التى لا داع لها إلا إذا كانت تخدم المضمون. "لم تشغله التفاصيل الدقيقة للحياه اليومية و لا الصغائر و لم يخدعه المظهر الخارجي أو يفسر سلوكيات البشر علي محملها الظاهر و يأخذ بالمسلمات.. فوضع أعماق الانسان تحت المجهر باحثا عن الحقيقة و سعي لرؤية العالم بعينين متفتحتين، فمزج بين رحابة الأفق الانسانى و حيدة العالم و شغفه بالمعرفة." د. سناء صليحة، الأهرام، 15/9/2002 و قد شهدت هذه الفتره أيضا انتاجاً غزيراً لمقالاته التي قد بدأت تأخذ شكل أعمدة أسبوعية في جريدة الأهرام، مثل "إسبوعيات" و "من مفكرة يوسف عز الدين عيسي" و "مع الفكر و الخيال" هذا بخلاف عشرات المقالات الأخري في كبري الجرائد و المجلات علي مستوي مصر و الخارج، و الي جانب هذا كتب أيضا العديد من التحليلات و الدراسات الأدبية و قدم العديد من أدباء العالم للقارئ العربي و تناولت مقالاته أيضا الموضوعات العلمية التى فيها قام بتبسيط العلم للشخص العادي الغير متخصص. و قد أكد الكثير من الكتاب و النقاد أن لو كان الدكتور يوسف عز الدين مقيماً في القاهرة لكان بلا شك سيلاقي فرصا أكبر و أسرع لنشر أعماله لمجرد تواجده في القاهرة، و قد روي الأستاذ فاروق جويدة عن توفيق الحكيم قائلا: "..لو كان يوسف عز الدين عيسى يعيش قي القاهرة لكان أكبر مناقس لنا"، بل ومن الأهم أن ترجمات أعماله كانت ستتواجد بسهولة. و يعد موضوع تأخر تلك الترجمات الي ظلمه ظلما شديدا: ففي أوائل الثمانينات من القرن العشرين، جاء إلى مصر عضواً من مؤسسة "نوبل" لإختيار أسماء مصرية للترشيح لجائزة نوبل العالمية في الأدب وقد أختير اسم دكتور يوسف عز الدين عيسى ضمن ثلاثة أسماء مصرية ولكن عدم وجود الترجمات لأعماله وقف عائقاً للترشيح، إذ أن الحصول على جائزة نوبل يقتضي أن تكون الأعمال مترجمة إلى إحدى اللغات التالية: الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية أو السويدية، ويتعقد الكثير من النقاد أن عدم وجود ترجمتات لأعماله هو الذي حال بينه وبين حصوله على نوبل

******** الخبر****************** و يؤكد الناقد الأدبي، أ. يوسف الشارونى اختيار لجنة نوبل أسم د.يوسف عز الدين عيسى للترشيح قائلا: " كنت موجودا فعلا في المجلس الأعلى للثقافة عندما حضرت زوجة السفير الألماني في المغرب و كانت أحد أعضاء لجنة نوبل في الأدب، تطلب معلومات عن يوسف عز الدين عيسي و نجيب مجفوظ بخصوص الجائزة، ، و لكن أعمال يوسف عز الدين عيسي لم تكن قد ترجمت بعد إلي أي من اللغات المطلوبة لنوبل .." "برنامج صالون"2003، كما ذكر الأستاذ محمد غنيم وكيل أول وزارة الثقافة في برنامج "رواد" 1991: " د. يوسف عز الدين عيسي يكتب أدبا إنسانيا يحمل كل المقومات التى تجعله جديرا بجائزة نوبل." كان للدكتور يوسف دورا رائدا أيضا في تقديم العديد من المواهب الشابة بالكتابة عن أعمالهم و اقامة الندوات لهم. و قد كان عضوا في الجلس الأعلي للثقافة و رئيسا لنادى القصة و قد كتب عنه الأستاذ موسي صبري قائلا: "يملؤني الأمل حين أعلم أن الأديب العالم الدكتور يوسف عز الدين عيسي الذي أثري حياتنا الأدبية بعطاء هائل من القصص الأدبية المكتوبة و المسموعة و هو مهنته علم المعامل ينقطع لمدة شهرا كاملا ليقرأ خمسمائة عمل قصصي لكي يحكم بضمير القاضى علي قصص الشباب (من خلال رآسته لنادى القصة)، و كل هذا تطوعا و تشجيعا لشباب مصري يمارس أول محاولة في فن الكلمة..أليس هذه قيمة عطاء كبري تعطى لمجتمعنا القدوة المُثلى و دليلا على أن مصر بخير!" آخر ساعة 2/11/83 و علاوة علي ذلك فقد شجع الدكتور يوسف إقامة الأنشطة الفكرية و الابداعية في الجامعة، فشجع فريق التمثيل و أقام ندوات شعرية و فكرية تجمع بين العلم و الأدب مثل "بنك المعلومات" و نظام "الأُسَر" و شجيع مجلة الكلية،كما أنه أول من نادى بضرورة وجود قسم خاص بالمسرح بكلية الآداب، و ظل ينادى بذلك حتى تم إنشاء هذا القسم بالفعل، كما كان له الفضل في إنشاء قسم علم الحيوان في جامعة طنطا. و ظلت وسائل الإعلام سواء كانت المقرؤة أو المسموعة أو المرئية تسعى إليه؛ يسافر إليه مذيعون وصحفيون كبار من أجل حديثٍ منه أو مقال عنه. و يُعتَبَرْ يوسف عز الدين عيسي بكل هذه الأعمال و الإنجازت ظاهرة فريدة من نوعها لأديب في العالم الثالث، إختار أن يعيش خارج العاصمة بكل مركزيتها، و ها هو يحقق هذه الرؤية العالمية و المكانة الرفيعة، و قد عبر كبار الكتاب و النقاد بشدة عن إعجانهم بموقفه و إبداعه دوره الكبير في الحركة الأدبية و طاقته المذهلة مع قناعتة بالاقامة خارج العاصمة فقالوا عنه الكثير، منه: ".. "..هذا الفنان الخجول المكافح.. انه من أدبائنا القلائل الذين نجحوا بأعمالهم فقط و بلا أي ضجيج، فهل أقارنه بعشرات الذين يملؤه الحقل الفني بالضجيج بلا خجل؟ عبد الفتاح البار ودي، الأخبار 9/1/76 "..إن اختيار اللجنة للأديب و العالم الكبير د. يوسف عز الدين عيسي للجائزة التقديرية يرفع من شأن الجائزة ، و هو مثال حي علي الكاتب الذي اختار بمحض إرادته أن يعيش بعيدا عن صخب العاصمة...

هذا الكاتب الفذ الذي طفا ببراعة فوق محيط الحياة المعاصرة بدوماتها ..و استطاع أن يحقق تعادلا مذهلا بين العقل العلمي و الخيال الأدبي و أن ينتزع الجائزة من بين براثين أدباء القاهرة. " إقبال بركة، صباح الخير، 15/9/88 "..دكتور يوسف عز الدين عيسي هذا الأديب رغم وجوده في الإسكندرية استطاع أن يجد مكانا في سلسلة العقد الفريد من أدبائنا، فضلا عن تميزه عنهم جميعا حينما جمع بين العلم و الأدب." إبراهيم عبد العزيز، مجلة الإذاعة و التليفزيون 2/6/97 "د. يوسف عز الدين عيسي أديب و عالم و مفكر، تتسم كتاباته بالأصالة و العمق و تنوع الأفكار و باللمسات الإنسانية، و قد استطاع عن طريق الندوات التى يقيمها أن يبث في الشباب حب الثقافة الرفيعة. انه يجمع بين عمق الباحث و حساسية الأديب." مأمون غريب، آخر ساعة 3/7/91 "كيف يجمع هذا الرأس الصغير كل هذه القذائف من الإبداعات الفكرية و لا ينفجر من براكين الإبداع؟" توفيق الحكيم، ندوة بترو، 1974 أما "يوسف عز الدين عيسى" العالم فكان أستاذاً جامعياً ملتزماً يحب عمله ويستمتع بالتدريس، و محبوباً من طلابه إلى أقصى حد، و كان في كثير من الأحيان يأتى طلاب من كليات أخري لحضور محاضراته فكانوا يجدون في محاضراته ثراءاً علمياً وأسلوبا إبداعياً أخاذاً مليء بروح بالدعابة و المرح و كانت لديه موهبة كبيرة في توصيل المعلومة بشكل سهل، بسيط رغم علمه الثري. وقد ُسُئِل كثيراً في برامج إذاعية وتليفزيونية عن علاقة العلم بالأدب وكان رده دائماً: لا أرى تناقضاً بينهما "فأنا لا أستطيع أن أتخيل فناناً أو كاتباً في عصرنا هذا لا يتأثر بالعلم الحديث ... سيكون الأدب حينئذٍ مسطحاً جداً.. .. إن العلم يجعل الأدب أكثر عمقاً والأدب يجعل العلم أكثر فهما،و أكثر سهولة في التوصيل. أنا أتصور أن في اللحظة التي يبدأ أستاذاً جامعياً في إلقاء محاضرته، هو يتحول في الحال إلى مبدع وفنان. إن العبرة ليست في مقدار معلومات الأستاذ أو المعرفة التي يختزنها في ذهنه ولكن العبرة في كيفية توصيل معلوماته وعلمه للآخريي و هّذا يحتاج الي الإبداع...." وعندما سُئل إن كان قد شعر بالندم لإنتقاله إلى الإسكندرية تاركاً القاهرة بمركزيتها وبريقها كان يقول :"إن الأدباء لا يصنفون حسب عناوين منازلهم ولكنهم يصنفون حسب قيمة ما يكتبون..". كان الدكنور يوسف عز الدين عيسي مفكراً واسع الأفق ذو رؤية فلسفية عميقة ومن العجيب أن البعض كان يهاجمه لهذه الأسباب؛ فليس كل كاتب فسلسوفا ذات رؤية بعيدة و معظم الأدباء لم يستطيعون الخروج من الفكر النمطى المحلي المحدود و لم يكن لديهم القدرة علي التحليق في آفاق واسعة علي المستوي الأنسانى مهما حاولوا، فخلق ذلك شعورا بالغيرة لدي البعض، فكان أحيانا كثيرة يتعرض لهجومات شرسة بدون سبب، أما هو فكان لا يرد الهجوم بل يتسامى عن كل ذلك. كان ليوسف عز الدين عيسي نظرة شاملة للأشياء حتى علي المستوي الشخصى، و عندما كتب، كتب عن البشر دون التحيز إلى مكانٍ معين في العالم، معتقداً أن كل البشر "رفاق في مركبٍ واحد يواجهون مصيراً واحد و هو الموت، و لذا عليهم أن يتساموا عن الأطماع و الصراعات و أن يعيشون في محبة و سلام "

إن أعمال يوسف عز الدين عيسي، و إن تباينت موضوعاتها، فهى تدعو إلي التراحم و السلام علي الأرض. و ظلت فكرة الموت تؤرقه فكان مجرد التفكير في أن كل إنسان مصيره الموت يؤلمه، كأنه حكمٍ بالإعدام و قد ظهرت هذه الفكرة في كثير من أعماله، في "الواجهة" و "القطار" و "غرفة الإنتظار" و غيرها من الأعمال ، و لكن هذا الاحساس بالألم تولد منه إحساسا آخرا و هو عشق الحياة بكل لحظاتها، حتى الصراع و الكفاح، فقد رأي فيهما إشباعا لرغبة الإنسان الغريزية في البحث و الوصول الي الحقيقة. أحب الحياه لإحساسه بقصرها و ضآلتها و أيضا نشأ عنده حب الناس بكل عيوبهم لأنه عطف عليهم جميعا، لعلمه أنهم سيموتون في يوم من الأيام. و هكذا عاش يوسف عز الدين عيسى في سلام داخلي فريد، و قد ظهر حبه للسلام في كل أعمالة. بالرغم من هذا الطابع الفلسفي ، فكان يوسف عز الدين عيسى شخصاً بشوشاً مرحاً يتمتع بروح دعابة شديدة لم تفارقه حتى رحيله. كان محباً للطبيعة والموسيقى والأدب والفن والثقافة. أما يوسف عز الدين عيسي الأب و الزوج ، فكان مرتبطاً بزوجته وأطفاله ارتباطاً شديداً. كان يحب أن يتواجد مع الناس وكان يحب الناس ويتعاطف معهم تعاطفاً شديداً. كان محور فكره هو السلام على الأر ض، وكانت الحروب ترعبه رعباً شديداً وكان لا يتصور إنساناً يسعى لقتل إنساناً آخر و كان دائماً يتسائل لماذا يعذب الجنس البشري بني جنسه؟ كان هذا أمراً لم يستطع أبداً بكل فلسفته أن يجد له اجابة. لم ينهل الزمن من دماثة طباع يوسف عز الدين عيسى، ففي سن 85 و قد اشتعل الشيب في رأسه، كان لا يزال هذا الشاب المرح الذي كان قد جاء إلى الإسكندرية يوماً ما ونظر إلى بحرها بعين المحبين. لقد زاده الزمن نضجاً، أما روح الدعابة وحبه للحياة وللبشر، فكانت لاتزال هناك.. كان لايزال الطفل الصغير الذي بكى وهو في الثالثة من عمره على مصير البشرية المحكوم عليها بالفناء.. كان لايزال يذكر تناوله الشاي مع "برنارد شو" و القهوة معKrebs Professor. كان لايزال مبهوراً بالحياة وكان لديه الكثير يتمنى أن يعطيه و يكتب عنه. لقد كانت موهبة الدكتور يوسف في قمتها وقت رحيله، فقد ذكر في برنامج تليفزيوني وهو يناهز الثامنين من عمره، ".. إن ذهنى مزدحما بأفكار لأعمال جديدة، أسمعها تناديني كى أكتبها.." برنامج "رواد"، 1991. و كان في ذاك الوقت يعلم في ذاك الوقت أن أيامه الباقية أقل بكثير من إبداعه المتدفق. رحل بسلام، بدون مرض، في الثامن عشر من سبتمبر 1999، رحل ومعه حفنة من الروائع التي لم يكن لديه الوقتٌ لكتابتها، ولكنه ترك وراءه ميراثاً كبيراً ثرياُ من الأعمال التي تمنى أن يجعل بها العالم مكاناً أكثر جمالاً و سلاماً للإنسان. مراجع: * الأستاذ الدكتور زكريا عنانى، في "عبقرية الفكر الروائي